من عيون الشعر العربي
***
أبيات (مرصَّعة) للخنساء
**
أردت أن أنقل لكم في هذه الحلقة إحدى صور جماليات اللغة العربية والشعر العربي، وما أكثرَها!
تقول الخنساء في أخيها صخر (ويبدو أن للبيتين رواياتٍ مختلفة):
حامي الحقيقةِ، مهدِيُّ الطريقةِ *** محمودُ الخليقةِ، نفاعٌ وضَرّارُ
هبَّــاطُ أوديـــةٍ، جــذَّاذ ناصيــةٍ *** عقَّادُ ألويــةٍ، للجيشِ جــــــرَّار
ولها من الشعر (المُرَصّع) أبيات سار بذكرها الركبان، ولا يكاد يخلو شرح للترصيع في البلاغة من الاستشهاد أو التمثيل ببيت أو أبيات لها.
وأنقل لكم (بتصرُّف) ما ورد ببعض الشروح عن (الترصيع).
الترصيعُ في اللغة: التركيب، ومنه تاجٌ مرصعٌ بالجوهرِ، وسيفٌ مرصّعٌ أي محلّى بالرصائِعِ، وهي حلَقٌ يُحلى بها، الواحدة رَصيعة، والبيت المرصَّعُ الذي تتتالى فيه القرائنُ كما يُرَصَّعُ التاجُ بالجوهرِ.
والترصيع مأخوذ أيضا من ترصيع العقد وذاك أن يكون في أحد جانبي العقد من اللآلي ،مثل ما في الجانب الآخر والترصيع عند العسكري في الصناعتين : { أن يكون حشو البيت مسجوعاً {
وقال ابن رشيق في العمدة {إذا كان تقطيع الأجزاء ( أي أجزاء البيت الشعري) مسجوعاً أو شبيهاً بالمسجوع فذلك هو الترصيع عند قدامة{
والسجع هو تشابه الحرف الأخير في الفواصل المتشابهة في الجمل المتوالية.
فالمفهوم العام للترصيع هو جعل أجزاء البيت الداخلية جملا متوازنة متشابهة النهايات كالسجع.
أما (التصريع)، فمأخوذ من المصراعين، وهما بابا البيت .
قال الأزهري : المصراعان من الشعر ما كان فيه قافيتان في بيت واحد .
فالتصريع في الشعر هو جعل نهاية الشطر الأول مشابهة لنهاية الشطر الثاني وأكثر ما يكون هذا في البيت الأول من القصيدة نحو قول أمرى القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل *** بسقط اللوى بين الدخول فحومل
وربما صرَّع الشاعر أبياتاً أخرى من القصيدة غير المطلع .
عودة للترصيع؛ كما تقدم، فإن بيت الشِّعر المُرَصَّعُ هو الذي تتتالى فيه القرائنُ كما يُرَصَّعُ التاجُ بالجوهرِ. ومن حسَنِ الترصيع قول الخنساء:
الحمدُ خُلَّتُهُ، والجودُ عِلَّتُهُ، ** والصِدْقُ حوْزَتُه، إنْ قِرْنُهُ هابا
سدّادُ أوْهِبَةٍ، شهّادُ أندِيةٍ، ** قطّاعُ أوديةٍ، للوِتْرِ طَلاّبا
حمّالُ ألويةٍ، ضرّابُ أبنية، ** وَرّادُ مُسنيةٍ، في الحَرْبِ غَصّابا
سُمُّ العُداةِ، وفكّاكُ العُناةِ، إذا ** لاقى الوغَى لم يكُنْ للموت هُيّابا
الخيرُ يفعلهُ، والقولُ يَفْضُلُه، ** والمالُ يُنْهبُهُ في الحقِّ إنهابا
يهدي الرعيلَ إذا جارَ السبيلُ بهم ** نهْدُ التليلِ لزُرْقِ السُّمرِ ركّابا
وقالت أيضاً:
أبي الهَضيمة، حمّالُ العظيمةِ، ** متلافُ الكريمةِ، لا سِقْطٌ ولا وانِ
حامي الحقيقةِ، نسّالُ الوديقةِ، ** مِعْتاقُ الوسيقةِ، جَلْدٌ غيرُ ثُنْيانِ
هبّاطُ أوديةٍ، حمّالُ ألويةٍ ** شهّادُ أنديةٍ، سِرْحانُ فِتيانِ
وقالت أيضاً:
حَديدُ السِّنانِ، ذَليقُ اللّسانِ ** يُجازي المُقارِضَ أمثالَها
وقالت أيضاً:
حَمّالُ مُثقِلَةٍ، ركّابُ معضِلَةٍ ** وهّابُ مفضِلَةٍ، للعَظْمِ جبّارُ
======
تحياتي وتقديري