قرأت لكم أحبابى من كتاب " بستان الواعظين ورياض السامعين " لأبى الفرج بن الجوزى
يقول تعالى " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه " أخى المسكين يا ضعيف اليقين مثلى أتراك من أى الفريقين تكون ؟!
أمن الذين إبيضت وجوههم ففى رحمة الملك الرحيم ، أو من الذين إسودت وجوههم ففى العذاب الأليم ؟
أمن الذين إبيضت وجوههم بالرحمة ، أو من الذين إسودت وجوههم بالنقمة ؟
فكل من إسود وجهه قد أيقن أنه من أهل النار ، وكل من إبيض وجهه أيقن أنه من أهل دار القرار ، فيا لها من فرحة ما أعظمها إن إبيض وجهك ، ويا لها من مصيبة ما أدومها إن إسود وجهك ، فإذا نزل السواد فى وجه ما صار هذا السواد حجابا بين صاحبه وبين النظر الى وجه المولى جل علاه ، وإذا نزل البياض فى وجه رفع هذا النور والبياض حجاب الذنوب الذى يحجب العبد عن النظر الى وجه علام الغيوب .
ذلك أن البياض نور المغفرة ، وهو نور الرحمة وهو نور القرب ، وهو نور الوصال
أما السواد فهو سواد العبد ، وهوسواد الإنفصال ، وهو سواد النكال ، وهو سواد النقمة ، وهو سواد الحجبة ، يقول تعالى " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " فالحجاب وقع على قلبك يا من تكتسب السيئات ، ودوامك على الخطيئات وإشتغالك عن رب الأراضين والسماوات حجبك عن النظر الى وجهه الكريم ، قال تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً " ، فيا معشر المذنبين أبعدوا السوء وأبدلوه بالإحسان ، وأرغبوا فى نعيم الجنان ، وإرجعوا عن الأوزار والعصيان ، فإنها تزيدكم من عذاب النيران ،
يا أخى أبعد السوء وأبغضه بغضا شديداً ، وكن على إبعاده بالتوبة جَلِدَاً جليداً ، من قبل أن يأتى يوم تود أن لو كان السوء عنك بعيداً ، ولم تتبع شيطاناً مريداً .
يا من إليه جميع الخلق يبتهل *** وكل حى على رحماه يتكل
يا من نادى فرأى ما فى الغيوب وما *** تحت الثرى وحجاب الليل منسدل
يا من دنا فنأى عن أن تحيط به *** الأفكار طرا أو الأوهام والعلل
أنت الملاذ إذا ما أزمة شملت *** وأنت ملجأ من ضاقت به الحيل
أنت المنادى به فى كل حادثة *** أنت الإله وأنت الذخر والأمل
أنت الغياث لمن سدت مذاهبه *** أنت الدليل لمن ضلت به السبل
إنا قصدناك والأمال واقعة *** وإن سطوت فأنت الحاكم العدل
أين المفر والوقت يسرقنا ، واليوم يمر مسرعا وكأنه يفر منا ، نحاول إمساكه ولا نستطيع
قال ذو النون رحمه الله : ذكر لى عن راهب بالشام ، أنه لم يكلم أحدا مدة أربعين سنة ، فنهضت إليه فلم أزل أنادى تحت صومعته وأقسم أن يشرف علىَّ ، حتى أشرَفَ من أعلى صومعته ، فراودته على الكلام فَأَبَىَ علىَّ ، فقلت له بالذى سكت من أجله ومن خوفه إلا أجبتنى عما أسألك عنه ، فقال لى : قل ولا تطيل الكلام علىَّ ، قلت له : منذ كم وأنت فى هذا الموضع ؟ فقال : منذ يوم واحد ، فقلت له: وكيف ذلك ؟ قال : سمعت الناس يقولون : أمس واليوم وغداً ، فأما أمس فقد فات ، وأما اليوم فلى ، وأما الغد فلا أدرى أبلغه أم لا ، ثم أدخل رأسه فما كلمنى وإذا به يبكى ويقول لا صبر لى على النار.
أيا نفس لا صبراً على النار فاعلمى *** وكونى على خوف من النار ما عشت
ودومى على الأحزان ما دمت حيةٌ *** عسى تذهب الأحزان عنك إذا مت
يقولون فى طول الكلام بلاغة *** وقد علموا أن البلاغة فى الصمت
إذا العبد لم يلعب هواه بعقله *** عصى ربه وإزداد مقتاً على مقت
هيا يا أحبابى لنبدأ ونقسم أعمارنا إلى ثلاثة أيام : يوم مضى ، ويوم نحن فيه ، ويوم ننتظره لا ندرى بما يأتينا بصلاح أم فساد ولعلنا لا نبلغه ، فلنصلح اليوم الذى مضى بالندم على ما فاتنا فيه من الطاعات والإحسان الى الله ، وما إقترفنا فيه من الذنوب والمعاصى ، واليوم الذى مضى أنما نصلحه فى اليوم الذى نحن فيه بالبكاء والندامة وذم النفس والملامة ، وطاعة الله تكون لنا علامة ، على القبول فى رحاب رب العباد ،
حتى متى والأيام نحسبها *** وإنما نحن فيها بين يومين
يوم تولى ويوم أنت تأمله *** لعله أجلب الأيام للحين
آنس الله روعتنا يوم النشور ، وآنس وحشتنا فى القبور ، إنه على ذلك قدير ، وهو عليه يسير ، وأماتنى وإياكم على كلمة
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله
غير مبدلين ولا مغيرين ولا مبتدعين
وجزاكم الله خيرا لحسن متابعتكم للموضوع ، وجعلنا الله مع المطيعين جموع
وكل رمضان وأنتم طيبين ، وجميع منتدى مترو من المقبولين ، ونكون صحبة الى جنة النعيم