فى الوقت الذى كانت فيه جميع الأنظار تتجه نحو «ميدان التحرير» متطلعة إلى اتجاه جميع المظاهرات من جميع أنحاء القاهرة تجاهه، كان ميدان المطرية يشهد أعنف المعارك بين المتظاهرين وقوات الأمن المركزى.
بمجرد أن تطأ قدماك ميدان المطرية اليوم، ستتعرف سريعًا على ملامح المعركة الطاحنة، التى دارت على تلك الأرض وراح ضحيتها العشرات من المتظاهرين العزل، والعشرات من عربات الأمن المركزى، التى احترقت فى وسط الميدان كانت شاهدة على الطريقة، التى عامل بها الأمن المتظاهرين.
قنابل مسيلة للدموع.. رصاص مطاطى.. رصاص حى، كل الأسلحة استخدمها الأمن لمنع وصول المتظاهرين والتحامهم بمتظاهرى عين شمس.
مذبحة حقيقية لم يراع فيها الأمن، أنه يتعامل مع مصريين، كما لم يراعوا حرمة المساجد واتخذوا من أعلى أحد المساجد مكانًا يصوبون منه الرصاص الحى فى اتجاه المتظاهرين، الذين خرجوا لتوهم من صلاة الجمعة، لا يفرقون بين شيخ وطفل يصوبون فى الصدور والقلوب لا لإحداث إصابات إنما للقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
وفى محاولة للتهدئة، صعد أحد الشيوخ إلى مكان عال هاتفًا «لا إله إلا الله»، لعل البعض يرتدع إلا أن الإجابة عنها كانت مختصرة وسريعة «رصاصة تخترق فمه لتسكت صوته إلى الأبد».
قتلوا متظاهرين بالفعل، ولكنهم قتلوا معهم بعض الشباب الذى تصادف وجوده فى الميدان أو البعض الآخر الذى لم يتحمل أن يرى مصريين يضربون بالرصاص الحى، دون أن يدافع عنهم.
قتلوا أطفالاً لا يتجاوزون العاشرة والرابعة عشرة من عمرهم، وقتلوا معهم شبابًا ظلت أسرهم لسنوات طويلة يطأطئون رؤوسهم ويحنون ظهورهم أمام الأوضاع المتردية من فقر وجهل، أُسر كثيرة آثرت السلامة لأكثر من ٣٠ عامًا خوفًا على أولادهم ولتربيتهم والحفاظ عليهم، ساروا بجوار الحائط وقبلوا بتهميشهم، فكان مقابل ذلك إهدار دماء أبنائهم فى الشوارع.. شبابًا كانوا أملاً لأسرهم، ومنهم عائلون لأسرهم بعد وفاة والدهم، شهدت لهم عائلاتهم وجيرانهم وأصدقائهم بحسن الأخلاق والطباع..
لتجد نفسك تردد لن يختار الله للشهادة إلا من يستحقها، لن يكون من قبيل الصدفة أبدًا أن يكونوا جميعًا ملائكيين.
«المصرى اليوم» فى عزاء شهداء المطرية، الذين لن تقبله أسرهم إلا بعد محاسبة كل من كان مسؤولاً عن تلك المذبحة من رأس النظام إلى أصغر عسكرى.