الفينيقيون مجموعة سامية الأصول،
فرع من الكنعانيين من العماليق. سكنوا سواحل البحر الأبيض المتوسط أكثر من
4000 سنة قبل الميلاد. وفي فترات محددة، سيطر الفينيقيون على معظم جزر
البحر المتوسط حتى امتدت مستعمراتهم من قرطاج في شمال أفريقيا إلى كورسيكا
وجنوب إسبانيا. دعا الإغريق سكان هذه المناطق بالفوينيكوس (phoinikies)
والتي تعني البنفسجيين وذلك بسبب لون ملابسهم وأقمشتهم الأرجوانية والتي
اشتهروا بصباغتها من أصداف الموركس البحرية. اشتهر الفنيقيون بالأبجدية
الخاصة بهم وكتاباتهم الأكثر تطوراَ، والتي اعتمدت على مخارج الحروف بدلا
من الكتابة التصويرية مثل الهيروغليفية والمسمارية[1] وكانت أصل الأبجدية
المعاصرة لكل من اللغة العربية والعبرية واليونانية واللاتينية. و يرجح ان
يكون سكان كل من سواحل سوريا ولبنان وتونس ومالطا والبحرين يحملون جذورا
فينيقية...
رغم تعدد البعثات الأثرية التي عملت في جميع المواقع الفينيقية القديمة،
فإن الكشف في هذه المواقع لم يتعد الطبقات الأرضية التي ترجع إلى العصور
البيزنطية والرومانية وفي بعض المواقع إلى الفينيقيين وقد ذكرت العديد من
المصادر التاريخية البابلية والاشورية والفرعونية واليونانية.
والمتفق عليه أن نشأة المدن الفينيقية ترجع إلى أربعة آلاف سنة قبل
الميلاد. وقد اختلف المؤرخون في أصول نشأتهم[2]. منهم من قال أنهم أتوا من
شواطئ البحر الأحمر ومنهم من أرجعهم إلى شعب دلمون في الخليج العربي. إلا
أنهم اتفقوا على أن الفينيقيين هم كنعانيون ساميون من صلب سام بن نوح.
وربطهم الطبري بالعماليق من العرب البائدة.
النسب إلى شرقي الجزيرة العربية
أما سترابون (64ق.م ـ 19م)، الجغرافي الروماني، أشار إلى أن المقابر
الموجودة في جزر البحرين تشابه مقابر الفنيقيين، وان سكان هذه الجزر يذكرون
أن أسماء جزائرهم ومدنهم هي أسماء فينقية. وقال أيضاً إن في هذه المدن
هياكل تشبه الهياكل الفينيقية. ومن الأدلة التي تدعم هذه النظرية، أسماء في
شرق الجزيرة العربية تحمل نفس أسماء المدن التي أنشأها الفينيقيون على
الساحل السوري. مثل (صور) على ساحل عُمان، و(جُبَيْل) على ساحل الأحساء
وجزيرة أرواد (ارواد وهي الاسم القديم لجزيرة المحرّق في البحرين.[3]
كما يذكر جان جاك بيريبى أن الفنيقيين انطلقوا من الهلال الخصيب إلى الساحل
الشامي حيث بنوا مدنهم وأنشؤوا حضارتهم التي نشروها في البحر الأبيض
المتوسط. وأما فرنسيس لزمان مؤلف "تاريخ الشرق القديم" فيرى انهم "سلكوا
طريق القوافل من القطيف إلى وادي غطفان وجبل طويق في نجد. ثم مروا بالوشم
والقصيم فالحناكية. ومنها ساروا في الطريق التي يسلكها الحجاج في كل
سنة[4]. وقال أمين الريحاني: "ما أجمع عليه المؤرخون والآثريون أن
الفنيقيين مثل العرب ساميون. بل أنهم عرب الأصل. نزحوا من الشواطىء العربية
الشرقية على خليج فارس (الخليج العربي)، ومن البحرين إلى سواحل البحر
المتوسط في قديم الزمان"[5].
وقد جاء في الجزء الثاني من لغة العرب "...والظاهر أنهم (أي الكنعانيين ـ
الفينيقيين) من أصل عربي فقد نقلت التقاليد القديمة أنهم ظعنوا من الديار
المجاورة لخليج فارس إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط"[بحاجة لمصدر].
وقال هنري راولینسون ان أصل الفنيقيين (الكنعانيين) من سكان البحرين في
الخليج العربي. ظعنوا من هناك إلى سواحل الشام منذ نحو خمسة آلاف سنة.
وانهم عرب بأصولهم وان هناك مدناً فنيقية أسماؤها فنيقية مثل صور وجبيل
وارواد.[6]
[عدل] النسب إلى العرب البائدة
وقد ذكر المؤرخ العربي أبو جرير الطبري (المتوفى عام 310ه/922م) أن
"الكنعانيين هي من العرب البائدة، وأنهم يرجعون بأنسابهم إلى العمالقة".
وقال ابن خلدون عن الكنعانيين آخذا عن الطبري: "...وأما الكنعانيون هم من
العمالقة، كانوا قد انتشروا ببلاد الشام وملكوها". وقال أيضاً: "أول ملك
كان للعرب في الشام فيما علمناه للعمالقة". وقال أيضاً: "وكانت طَسْم
والعماليق وأُميم وجاسم يتكلمون بالعربية".[7]
[عدل] تحليل جينوغرافي
قام الدكتور بيار زلوعا (المختص في دراسة الحمض النووي والمدرس في الجامعة
اللبنانية الأميركية ومدير قسم الشرق الأوسط في المشروع الجينوغرافي)
بإجراء دراسة حديثة ضمن مشروع Genographic Project التابع لمؤسسة ناشيونال
جيوغرافيك الذي يهدف إلى دراسة حركة هجرة الشعوب تاريخياً. وقد تمكّن خلال
السنوات الخمس من تحديد جينة "عنصر الوراثة" تميّز شعب ساحل سوريا الكبرى
يطلق عليها علمياً اسم الـJ2 وهي لا تختلف عن جينات أهالي الجزيرة العربية،
ولكنها تتركز على الساحل وفي محيط المتوسط وتتداخل فيها جينات عديدة أخرى
ما يشرح تزاوج الشعوب بعضها ببعض. يقول: "جينياً أي علمياً، يستحيل تقسيم
الشعب الذي يسكن في مناطق الحضارة الفينيقية. فـ 99 % من أبنائه يحملون
جينة J2 التي وصل حاملوها إلى هذه البقعة من العالم قبل نحو 10 آلاف سنة،
أي مع بداية عصر التحضر (الانتقال من حالة الترحال إلى حالة الإقامة).
وسكنوا هذه الأرض وأنشؤوا قراهم ثم مدنهم، وهاجر بعضهم إلى أماكن أخرى من
حوض المتوسط حيث بنى مستوطنات وخلّف هناك آثاره وجيناته. فالجين J2 موجود
في كلّ المدن التي استخدمها الفينيقيون في حوض المتوسط من قرطاج إلى صقليّة
ومالطة... والتي يعود تاريخ وجودها في تلك المنطقة إلى 2000 قبل الميلاد".
وتؤكد هذه الدراسة أن الفينيقيين والكنعانيين هما تسميتان لشعب واحد[8].
كما أن ابحاث أخرى اشارت إلى انتشار الحمض النووي mtDNA Haplotype U6b في
مناطق مختلفة في شمالي أوروبا وغربي أفريقيا مما يدل على تواجد الفينيقيين
في تلك المناطق [9].
استوطن الكنعانيون الساحل الشرقي للبحر المتوسط والذي يشمل < [سورياو
لبنان وفلسطين] > الحالية منذ 5000 ق.م. ومنذ عام 1100ق.م، دعي
الكنعانيون الذين سكنوا مناطق الساحل شمال صور بالفينيقيين حتى اعالى ساحل
سوريا، وأما الكنعانيين الجنوبيين فقد سموا بالفلستيين.
أنشأ الفينيقيون مدناً على الساحل الغربي للبحر المتوسط ما زالت عامرة إلى
يومنا هذا مثل صور، وأوغاريت وارواد وصيدا وجبيل وغيرها.
بلغت فينيقيا والمدن التابعة لها ذروة مجدها التجاري في القرن الثالث عشر
قبل الميلاد إذ كانت اتصالاتها البحرية تشمل مناطق العالم القديم بأكمله
وبلغت تجارتها درجة عظيمة.
[عدل] الانتشار الفينيقي
في أواخر الألف الثّاني قبل الميلاد، زالت سيطرة الإيجيّين على البحر
المتوسّط مما سمح للفنيقيين بالتوسع في تجارتهم البحرية. وتوزّعت سفنهم ومن
ثمّ مستعمراتهم في جميع أنحاء المتوسّط[10].
[عدل] في الحوض الشّرقي
امتدت المدن الفينيقية في العصور القديمة، على المنطقة الساحلية من مدينة
أوغاريت في شمال سورية (رأس شمرا الحديثة) إلى عكا بشمال فلسطين، بطول يبلغ
حوالي 322 كيلومترا. ثم استوطنوا السواحل الشرقية لقبرص وذلك لغناها
بالنّحاس والحجارة الكريمة، ثمّ لوفرة حبوبها وخمورها وزيتونها، ولموقعها
الوسط بين عالمين. وبنوا المخازن على معظم ساحلها.
اهتمّوا بمناطق كيليكيه وطرطوس، ومن هنالك وصلوا إلى رودس المواجهة
للشّاطئ. استقرّوا في كريت وجزر "السّيكلاد". ولكنّهم لم يتعدّوا الدّردنيل
في إنشاء المستعمرات بسبب المسافة. وإن تكن قوافلهم قد وصلت إلى شواطئ
البحر الأسود وأرمينيا.
وفي الجنوب، تواجد الفينيقيّون؛ إلا أنهم لم يقيموا مستعمرات بسبب وجود
المصريين. فقد أقاموا المخازن في ممفيس، حيث تمتّعوا بحريّة التّجارة.
وأنشئوا حيًّا خاصًّا بالصّوريّين منذ القرن الثّاني عشر قبل الميلاد،
وأقاموا فيه معبدًا لعشتروت.
[عدل] في الحوض الغربي
لمّا اشتدّت منافسة الإغريقيّين، فضّل الصّوريّون ترك المجال مفتوحًا أمام
صيدون، فنقلوا مناطق نفوذهم التّجاري إلى الحوض الغربي من المتوسّط.
فاستقرّوا في صقلية، و"يوتيقا" (المدينة العتيقة) في تونس اليوم، ومالطة،
مُراعين في اختيارهم لمستعمراتهم البحريّة المركز التّجاري والموقع
الطّبيعي لإنشاء المرافئ. ومن هناك انطلق الفينيقيّون إلى جنوبي سردينيا،
والجزر المجاورة لها "كالباليار". ومن ثمّ خطّوا نحو "ترشيش" (إسبانيا) حيث
حوّلوا إحدى محطّاتهم التّجاريّة إلى مستعمرة.