قلم جاف سن تخين لو سمحت" ... قلتها للبائع فى المكتبة هذه الجملة وغرقت بعدها فى ذكريات جميلة خفق لها قلبى خفقان قلب العجوز عندما يحفر فى بئر ذكريات أيام انتهت من عقود ، أياما خلفتها ورائى ولن تعود .
علت فوق شفايفى ابتسامة حزينة عجوزة أيضا ، فقد ذكرتنى بطفولتى وصباى عندما كنت أقولها لبائع ببراءة ، فقد كنت أحب هذه النوعية من الأقلام التى تكون الكتابة بها واضحة للقراءة .
أيام وسنوات أجدنى قد بعدت عن أقربها بمسافة إثنى عشر سنة ، يوم أن ودعت مرحلة الثانوية العامة إلى عالم الجامعة و كلية الهندسة ، ووجدت نفسى أسألها ماذا تبقى لى من هذه الأيام وتلك الذكريات ؟!.. مجرد أشباح ماضى كان جميلا وصبيا كان بريئا ، أتذكر أنه كان طيبا ، طيبا جدا لحد السذاجة ، وكان القلم والكتاب وبعض الأشخاص القليلة هم عالمه البسيط .
ربما لن يصدق أحد بأنى لم أعتد أن أكتب بالقلم الجاف منذ هذه الإثنى عشر سنة إلا قليلا جدا ، وانحصرت كتابتى به عند المكاتبات الرسمية والأوراق الرسمية فقط ، فقد عودتنى سنوات دراستى فى كلية الهندسة وعملى كمهندس أن يكون القلم الرصاص والممحاة رفيقي الدرب .
وازدادت الغربة بينى وبين القلم عندما تعرفت على الحاسب الآلى واقتربت على الكيبورد وحروفه ، وتوطدت العلاقة بينى وبينه كثيرا ، وتوحدت معه حتى نسيت اصحابى الحقيقيين قلمى ودفتر خواطرى .
استطيع ان أقول انى طوال هذه المدة كنت اعتبر الكيبورد ابنا لى ، فلطالما احتضنته فى ليالى كآبتى و انطوائى ووحدتى ، وكنت احزن كثيرا لفراق اى كيبورد عندى لعطل أصابه او تلف ما ، وكنت احتفظ بهم احتراما لذكراهم فى قلبى .
أما سر عودتى للقلم ارتبطت عندى بالحنين للماضى الحنين للصبا والعفوية والتلقائية والبراءة ، تجسد كل ذلك فى قلمى الجاف فالكلمة التى أكتبها به هى ما أفكر به فعلا فتنطبع على الورقة ومهما حاولت أن أمحوها أو أشطب فوقها يظل مكانها فاضحا لهذه الكلمة .
الأفكار عند الكتابة بالقلم الجاف دوما ما تأتى طازجة جاهزة عفوية مناسبة فلا مجال هنا للتراجع أو التردد فتأتى صادقة عاصفة ، فمتى انطلقت الكلمة فهى كطلقات الرصاص قد تصيب وتقتل وقد تحرق وقد تغرق .
أما الكتابة على الكيبورد فلها طعم التردد والتراجع ، متلونة بلون النفاق والزيف ، فيسهل أن تتراجع عن كلمة حق قد تؤلم أحدهم فتمحوها فى لحظة ولن يدرى بها ، وقد تداهن بعضهم ببعض الكلمات لتكون محبوبا عنده ، وقد تستطيع أن تتوب فى حقه قبل الأوان قبل أن تلقى بكلمة حق فى سلطان جائر فيرضى عنك .
بالقلم الجاف كنت أستطيع أن أرسم وأخطط وأضع شخبطات هنا وهناك معه ، وهو الذى كان شاهدا على قصص حبى التى دوما ما تكون من طرف واحد ، فقد كنت أخط به قصائد الحب ورسائل الغرام التى كنت أضعها فى طريق زميلتى فى الكلية فتاة أحلامى فلا تلاحظها كالمعتاد ، لتقرأها فتاة أخرى تظن أن مخبولا غيرى أرسلها لها فتسرح فى غرامه .
كنت ألهو به ومعه كثيرا فلا يسأم ولا يغضب فقد كان صديقى الحميم الصدوق الذى لم يمل منى يوما ، لأجل كل ذلك قررت العودة لـ "قلم جاف سن تخين "