في حين كان السجال في مصر كلها منحصراً في سؤال «الإنتخابات أم الدستور أولاً؟»، خرج الدكتور محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الحائز على جائزة نوبل للسلام والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، بـ «وثيقة الحقوق والمبادئ الأساسية». تشتمل هذه الوثيقة على 6 مواد تتعلق بنظام الدولة وعلى 11 مادة تتعلق بالحقوق الأساسية للمواطن المصري.
تحدد المادة الأولى من باب «المبادئ الأساسية» نظام الحكم بالجمهوري الديمقراطي، فيما تؤكد المادة الثانية أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، ما يرضي، على وجه الخصوص، الإسلاميين. تؤكد الوثيقة كذلك على التعددية الحزبية (المادة الثالثة)، وعلى استقلال القضاء (المادة الرابعة)، وعلى مجانية التعليم (المادة السادسة)، وتعطي القوات المسلحة دورها الطبيعي بعيداً عن السياسة (المادة الخامسة).
أما في باب «الحقوق الأساسية»، فتنص المادة الأولى على أن «الكرامة الإنسانية حق لكل فرد». كذلك تؤكد الوثيقة على تساوي المصريين أمام القانون (المادة الثانية)، وعلى حرية الرأي والتعبير (المادة الثالثة)، وعلى حرية العقيدة (المادة الرابعة)، وعلى حق التملك (المادة السادسة)، وعلى الحق في العمل (المادة السابعة)، وعلى الحق في التعلم والبحث (المادة الثامنة)، وعلى حق المواطن «في التمتع بحرمة حياته الخاصة» (المادة التاسعة). هذا وتمنع المادة الخامسة القبض على أي مواطن تعسفاً، فيما تمنع المادة العاشرة تأويل الوثيقة على أي نحو كان. أما المادة الحادية عشرة فتنص على أن «هذه الوثيقة جزء لا يتجزأ من الدستور، والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد».
رغم ملاقاة هذه الوثيقة ترحيباً واسعاً حسبما ظهر في التعليقات على المواقع الإخبارية وفي التدوينات على مواقع التواصل الإجتماعي كتويتر، إنتقدها آخرون. بعضهم قال إن البرادعي، بإعداده هذه الوثيقة، «لم يخترع الذرة». صحيح هذا، ليست قوائم حقوق الإنسان بجديدة. لكن، إذا أضفنا هذه الوثيقة غير القابلة للتعديل إلى الدستور، فإننا نضع حداً لجدال «البيضة والدجاجة» القائم حالياً في البلاد. فإذا رضينا بالوثيقة، لن نخشى وقتئذٍ نتيجة الإنتخابات حتى وإن جاءت أولاً، إذ أن «وثيقة الحقوق والمبادئ الأساسية» تكفل لكل مواطن مصري حقوقه وتصونها، فليس له أن يخاف من أي برلمان أو رئيس يحكم. آخرون إنتقدوا البرادعي فقط من أجل الإنتقاد، قائلين إن ليس للبرادعي أي صفة حتى «يفرض» آراءه على المصريين، علماً أنه لم يفرض الوثيقة، بل عرضها على الحوار المجتمعي. بعض آخر يقول إن هذه الحقوق كانت موجودة أصلاً في دستور عهد مبارك. لم يلاحظ هؤلاء وجود قوانين أخرى تقيد كل حقوق المواطن، وأن الوثيقة التي يعرضها البرادعي تمنع هذا التقييد في المادة العاشرة من الباب الثاني.
مرة أخرى، يثبت البرادعي أنه رجل ذو رؤية، أنه سياسي محنك يجيد استنباط الحلول. ففي حين كان أحدهم يرعى مصالحه الإنتخابية الشخصية في الإسكندرية، وكان آخر يحرض ضد مطلب «الدستور أولاً»، مَن غير الدكتور البرادعي عرض حلاً للخروج من أزمة «الإنتخابات أم الدستور أولاً»؟
